فصل: (سورة المنافقون: الآيات 4- 6)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة المنافقون: الآيات 4- 6]

{وإِذا رأيْتهُمْ تُعْجِبُك أجْسامُهُمْ وإِنْ يقولوا تسْمعْ لِقولهِمْ كأنّهُمْ خُشُبٌ مُسنّدةٌ يحْسبُون كُلّ صيْحةٍ عليْهِمْ هُمُ الْعدُوُّ فاحْذرْهُمْ قاتلهُمُ اللّهُ أنّى يُؤْفكُون (4) وإِذا قِيل لهُمْ تعالوْا يسْتغْفِرْ لكُمْ رسُولُ اللّهِ لوّوْا رُؤُسهُمْ ورأيْتهُمْ يصُدُّون وهُمْ مُسْتكْبِرُون (5) سواءٌ عليْهِمْ أسْتغْفرْت لهُمْ أمْ لمْ تسْتغْفِرْ لهُمْ لنْ يغْفِر اللّهُ لهُمْ إِنّ اللّه لا يهْدِي الْقوْم الْفاسِقِين (6)}.

.الإعراب:

{وإِذا رأيْتهُمْ تُعْجِبُك أجْسامُهُمْ وإِنْ يقولوا تسْمعْ لِقولهِمْ} الواو عاطفة و{إذا} ظرف لما يستقبل من الزمن وجملة {رأيتهم} في محل جر بإضافة الظرف إليها والظرف متعلق بالجواب وهو {تعجبك} وجملة {تعجبك أجسامهم} لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم والواو عاطفة و{إن} شرطية و{يقولوا} فعل الشرط وعلامة جزمه حذف النون والواو فاعل و{تسمع} جواب الشرط و{لقولهم} متعلقان بـ: {تسمع} ولابد من تضمين تسمع معنى تصغى وتميل تبريرا لتعديته باللام.
{كأنّهُمْ خُشُبٌ مُسنّدةٌ} الجملة مستأنفة أو خبر لمبتدأ محذوف أو حالية من الضمير في {قولهم}، وكأن واسمها وخبرها و{مسندة} نعت لـ: {خشب} وفي المصباح: الخشب معروف الواحدة خشبة والخشب بضمتين وإسكان الثاني.
{يحْسبُون كُلّ صيْحةٍ عليْهِمْ هُمُ الْعدُوُّ فاحْذرْهُمْ} الجملة مستأنفة أيضا و{يحسبون} فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل و{كل صيحة} مفعول به أول و{عليهم} متعلقان بمحذوف مفعول به ثان لـ: {يحسبون} أي كائنة عليهم و{هم} مبتدأ و{العدو} خبر والجملة مستأنفة والفاء الفصيحة أي إن عرفت صفتهم وماهية أحوالهم {فاحذرهم}، ويجوز أن يكون المفعول الثاني لـ: {يحسبون} قوله: {هم العدو} ويكون قوله: {عليهم} متعلقان بصيحة أو صفة لها.
{قاتلهُمُ اللّهُ أنّى يُؤْفكُون} {قاتلهم} فعل ومفعول به و{اللّه} فاعل و{أنّى} بمعنى كيف فهو اسم استفهام في موضع نصب على الحال و{يؤفكون} فعل مضارع مبني للمجهول. ومعنى {قاتلهم اللّه} لعنهم.
{وإِذا قِيل لهُمْ تعالوْا يسْتغْفِرْ لكُمْ رسُولُ اللّهِ لوّوْا رُؤُسهُمْ} الواو عاطفة و{إذا} ظرف مستقبل وجملة {قيل} في محل جر بالإضافة إليها ونائب الفاعل مستتر و{لهم} متعلقان بقيل و{تعالوا} فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل والجملة مقول القول و{يستغفر} جواب الأمر مجزوم بالسكون، و{لكم} متعلقان بيستغفر و{رسول اللّه} فاعل والواو فعل ماض والواو فاعل وقرئ بالتخفيف أي عطفوا رؤوسهم وأمالوها و{رءوسهم} مفعول به والجملة لا محل لها لأنها جواب {إذا}.
وعبارة السمين: وهذه المسألة عدّها النحاة من الأعمال وذلك أن {تعالوا} يطلب {رسول اللّه} مجرورا بإلى أي تعالوا إلى رسول اللّه و{يستغفر} يطلبه فاعلا فأعمل الثاني ولذلك رفعه وحذف الأول إذ التقدير تعالوا إليه ولو أعمل الأول لقيل إلى رسول اللّه فيضمر في {يستغفر} فاعل ويمكن أن يقال ليست هذه من الأعمال في شيء لأن قوله: {تعالوا} أمر بالإقبال من حيث هو لا بالنظر إلى مقبل عليه.
{ورأيْتهُمْ يصُدُّون وهُمْ مُسْتكْبِرُون} الواو عاطفة و{رأيتهم} فعل ماض وفاعل ومفعول به والرؤية بصرية وجملة {يصدّون} حال من الهاء في {رأيتهم} وجملة {وهم مستكبرون} حال من الواو في {يصدّون}.
{سواءٌ عليْهِمْ أسْتغْفرْت لهُمْ أمْ لمْ تسْتغْفِرْ لهُمْ} {سواء} خبر مقدّم و{عليهم} متعلقان بسواء والهمزة للتسوية وقد تقدم بحثها وهي مؤولة مع ما بعدها بمصدر مبتدأ مؤخر وقد استغنى بهمزة الاستفهام عن همزة الوصل أي سواء استغفارك وعدمه، و{لهم} متعلقان بـ: {استغفرت} و{أم} هي المعادلة لهمزة التسوية و{لم} حرف نفي وقلب وجزم و{تستغفر} فعل مضارع مجزوم بلم و{لهم} متعلقان بـ: {تستغفر}.
{لنْ يغْفِر اللّهُ لهُمْ إِنّ اللّه لا يهْدِي الْقوْم الْفاسِقِين} {لن} حرف نفي ونصب واستقبال و{يغفر} فعل مضارع منصوب بلن و{اللّه} فاعل و{لهم} متعلقان بـ: {يغفر} وإن واسمها وجملة {لا يهدي} خبرها و{القوم} مفعول به و{الفاسقين} نعت.

.البلاغة:

في قوله: {كأنهم خشب مسنّدة} تشبيه مرسل تمثيلي فالمشبه هم أي رؤساء المنافقين من المدينة وكانوا يحضرون مجلس النبي صلى الله عليه وسلم ويستندون فيه إلى الجدر وكان النبي ومن حضر يتعجبون من هياكلهم المنصوبة، والمشبه به هو الخشب المنصوبة المسندة إلى الحائط، ووجه الشبه كون الجانبين أشباحا خالية عن العلم والنظر على حدّ قول حسان:
لا بأس بالقوم من طول ومن عظم ** جسم البغال وأحلام العصافير

وفي قوله: {يحسبون كل صيحة عليهم} تشبيه تمثيلي أيضا أي أنهم لجبنهم وهلع نفوسهم واضطراب قلوبهم إذا نادى مناد في المعسكر أو انفلتت دابة أو أنشدت ضالة وجفت قلوبهم، وزايلهم رشدهم وحسبوا أن هناك شرّا يتربص بهم وكيدا ينتظر الإيقاع بأرواحهم، وقد رمق الأخطل سماء هذا المعنى فقال:
ما زلت تحسب كلّ شيء بعدهم ** خيلا تكرّ عليهم ورجالا

يقول الأخطل: لا زلت يا جرير تظن كل شيء بعد خذلان قومك خيلا تكرّ أي ترجع بسرعة عليهم لكثرة ما يساورك من الخوف، وغلا المتنبي في هذا المعنى فقال:
وضاقت الأرض حتى صار هاربهم ** إذا رأى غير شيء ظنه رجلا

ويمكن أن يقال أن وجه الشبه هو عزوب أحلامهم وفراغ قلوبهم من الإيمان ولم يكتف بالتشبيه بالخشب بل جعلها مسندة إلى الحائط للانتفاع بها لأنها إذا كانت في سقف أو مكان ينتفع بها.

.[سورة المنافقون: الآيات 7- 11]

{هُمُ الّذِين يقولون لا تُنْفِقُوا على منْ عِنْد رسُولِ اللّهِ حتّى ينْفضُّوا ولِلّهِ خزائِنُ السّماواتِ والْأرْضِ ولكِنّ الْمُنافِقِين لا يفْقهُون (7) يقولون لئِنْ رجعْنا إِلى الْمدِينةِ ليُخْرِجنّ الْأعزُّ مِنْها الْأذلّ ولِلّهِ الْعِزّةُ ولِرسُولِهِ ولِلْمُؤْمِنِين ولكِنّ الْمُنافِقِين لا يعْلمُون (8) يا أيُّها الّذِين آمنُوا لا تُلْهِكُمْ أمْوالُكُمْ ولا أوْلادُكُمْ عنْ ذِكْرِ اللّهِ ومنْ يفْعلْ ذلِك فأُولئِك هُمُ الْخاسِرُون (9) وأنْفِقُوا مِنْ ما رزقْناكُمْ مِنْ قبْلِ أنْ يأْتِي أحدكُمُ الْموْتُ فيقول ربِّ لوْلا أخّرْتنِي إِلى أجلٍ قرِيبٍ فأصّدّق وأكُنْ مِن الصّالِحِين (10) ولنْ يُؤخِّر اللّهُ نفْسا إِذا جاء أجلُها واللّهُ خبِيرٌ بِما تعْملُون (11)}

.الإعراب:

{هُمُ الّذِين يقولون لا تُنْفِقُوا على منْ عِنْد رسُولِ اللّهِ حتّى ينْفضُّوا} كلام مستأنف جار مجرى التعليل لفسقهم، و{هم} مبتدأ و{الذين} خبر وجملة {يقولون} صلة الذين و{لا} الناهية و{تنفقوا} فعل مضارع مجزوم بلا والواو فاعل والجملة مقول القول و{على} من جار ومجرور متعلقان بـ: {تنفقوا} والظرف متعلق بمحذوف لا محل له من الإعراب لأنه صلة {من} و{رسول اللّه} مضاف إليه و{حتى} حرف تعليل ونصب و{ينفضّوا} فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد {حتى} والمعنى لأجل أن ينفضّوا أي يذهب كل واحد منهم لطيته وشغله.
{ولِلّهِ خزائِنُ السّماواتِ والْأرْضِ} الواو حالية و{للّه} خبر مقدم و{خزائن السموات والأرض} مبتدأ مؤخر والجملة نصب على الحال.
{ولكِنّ الْمُنافِقِين لا يفْقهُون} {لكن} واسمها وجملة {لا يفقهون} خبرها.
{يقولون لئِنْ رجعْنا إِلى الْمدِينةِ ليُخْرِجنّ الْأعزُّ مِنْها الْأذلّ} كلام معطوف في المعنى على {يقولون} قبله لأن سبب المقالتين واحد واللام موطئة للقسم وإن شرطية و{رجعنا} فعل ماض في محل جزم فعل الشرط و{إلى المدينة} متعلقان برجعنا، واللام واقعة في جواب القسم ويخرجن فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة وجوبا و{الأعزّ} فاعله و{الأذل} مفعوله، أرادوا بـ: {الأعز} أنفسهم وبـ: {الأذل} محمدا صلى الله عليه وسلم، و{منها} متعلقان بـ: {ليخرجن}.
{ولِلّهِ الْعِزّةُ ولِرسُولِهِ ولِلْمُؤْمِنِين ولكِنّ الْمُنافِقِين لا يعْلمُون} الواو حالية و{للّه} خبر مقدم و{العزّة} مبتدأ مؤخر {ولرسوله} عطف على {للّه}، {ولكن} الواو عاطفة و{لكن} واسمها وجملة {لا يعلمون} خبرها.
{يا أيُّها الّذِين آمنُوا لا تُلْهِكُمْ أمْوالُكُمْ ولا أوْلادُكُمْ عنْ ذِكْرِ اللّهِ} {يا} حرف نداء للمتوسط وأي منادى نكرة مقصودة مبني على الضم في محل نصب والهاء للتنبيه و{الذين} بدل وجملة {آمنوا} صلة و{لا} ناهية و{تلهكم} فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف حرف العلة و{أموالكم} فاعل {ولا أولادكم} عطف على {أموالكم} و{عن ذكر اللّه} متعلقان بـ: {تلهكم}.
{ومنْ يفْعلْ ذلِك فأُولئِك هُمُ الْخاسِرُون} الواو عاطفة و{من} اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ و{ذلك} مفعول به والفاء رابطة لجواب الشرط وأولئك مبتدأ و{هم} مبتدأ ثان أو ضمير فصل و{الخاسرون} خبر أولئك أو خبرهم والجملة خبر أولئك وجملة {فأولئك} إلخ في محل جزم جواب الشرط وفعل الشرط وجوابه خبر {من}.
{وأنْفِقُوا مِنْ ما رزقْناكُمْ مِنْ قبْلِ أنْ يأْتِي أحدكُمُ الْموْتُ} الواو عاطفة و{أنفقوا} فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل و{مما} متعلقان بـ: {أنفقوا} و{من} تبعيضية والمراد الإنفاق الواجب وجملة {رزقناكم} لا محل لها لأنها صلة و{من قبل} حال و{أن} وما في حيّزها في تأويل مصدر مجرور بالإضافة و{أحدكم} مفعول به مقدّم و{الموت} مبتدأ مؤخر.
{فيقول ربِّ لوْلا أخّرْتنِي إِلى أجلٍ قرِيبٍ فأصّدّق وأكُنْ مِن الصّالِحِين} الفاء العاطفة السببية لأنه مسبّب عن {أن يأتي}، ويقول فعل مضارع معطوف على {أن يأتي} والفاعل مستتر يعود على {أحدكم} و{لولا} تحضيضية بمعنى هلّا و{أخّرتني} فعل ماض مبني على السكون ولكنه بمعنى المضارع لأن لولا التحضيضية تختص بالماضي المؤول بالمضارع إذ لا معنى لطلب التأخير في الزمن الماضي والتاء فاعل والنون للوقاية والياء مفعول به و{إلى أجل} متعلقان بـ: {أخّرتني} و{قريب} نعت والفاء في {فأصدّق} عاطفة {وأكن} فعل مضارع مجزوم بالعطف على محل {فأصدّق} فكأنه قيل إن أخّرتني أصدّق وأكن، وقرئ بنصب {أكون} وإثبات الواو فتكون الواو للسببية وأصدّق منصوب بأن مضمرة بعد فاء السببية في جواب الطلب أي التحضيض، واسم أكن مستتر تقديره أنا و{من الصالحين} خبرها.
{ولنْ يُؤخِّر اللّهُ نفْسا إِذا جاء أجلُها واللّهُ خبِيرٌ بِما تعْملُون} الواو عاطفة والكلام معطوف على مقدّر أي فلا يؤخر هذا الأحد المتمنّي لأنه لا يؤخر نفسا إذا جاء أجلها أية كانت. و{لن} حرف نفي ونصب واستقبال و{يؤخر} فعل مضارع منصوب بـ: {لن} و{اللّه} فاعل و{نفسا} مفعول به و{إذا} ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط وجملة {جاء} أجلها في محل جر بإضافة الظرف إليها والجواب محذوف دلّ عليه ما قبله أي فلن يؤخر نفسا حان حينها {واللّه} مبتدأ و{خبير} خبر و{بما} متعلقان بخبير وجملة {تعملون} صلة ما وقرئ {يعملون} بالياء.

.البلاغة:

في قوله: {يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزّ منها الأذل} فن يسمى القول بالموجب، وهو أن يخاطب المتكلم مخاطبا بكلام فيعمد المخاطب إلى كل كلمة مفردة من كلام المتكلم فيبني عليها من كلامه وما يوجب عكس معنى المتكلم لأن حقيقة القول بالموجب ردّ الخصم كلام خصمه من فحوى كلامه فإن موجب قول المنافقين الآنف الذكر في الآية إخراج الرسول المنافقين من المدينة وقد كان ذلك، ألا ترى أن اللّه تعالى قال على إثر ذلك: {وللّه العزّة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون} ومن أمثلته قول ابن حجاج البغدادي:
قلت: ثقلت إذ أتيت مرارا ** قال: ثقلت كاهلي بالأيادي

قلت طولت قال لي بل تطولت ** وأبرمت قال حبل ودادي

. اهـ.

.قال أبو البقاء العكبري:

سورة المنافقون:
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}
قوله تعالى: {كأنهم} الجملة حال من الضمير المجرور في قولهم، وقيل هي مستأنفة، و{خشب} بالضم والإسكان جمع خشب مثل أسد وأسد، ويقرأ بفتحتين والواحدة خشبة، و{يحسبون} حال من معنى الكلام، وقيل مستأنف.
قوله تعالى: {رسول الله} العامل فيه {يستغفر}، ولو أعمل تعالوا لقال إلى رسول الله، أو كان ينصب، و{لووا} بالتخفيف والتشديد، وهو ظاهر، والهمزة في {أستغفرت لهم} مفتوحة همزة قطع، وهمزة الوصل محذوفة، وقد وصلها قوم على أنه حذف حرف الاستفهام لدلالة أم عليه.
قوله تعالى: {ليخرجن} يقرأ على تسمية الفاعل والتشديد، و{الأعز} فاعل و{الأذل} مفعول، ويقرأ على ترك التسمية و{الأذل} على هذا حال، والألف واللام زائدة، أو يكون مفعول حال محذوفة: أمشبها الأذل.
قوله تعالى: {وأكون} بالنصب عطفا على ما قبله، وهو جواب الاستفهام، ويقرأ بالجزم حملا على المعنى، والمعنى: إن أخرتني أكن، والله أعلم. اهـ.